الأنوار

إبتهاج الفلكلور في رقص "فرقة كركلا"

يكشف العرض الجديد، و-"المستقل" لفرقة كركلا للرقص الشعبي عن طموح يسعى أن يتجاوز الرقص الفلكلوري الذي ظهر في الستينات مع المهرجانات الفلكلورية الغنائية في بعلبك وبعد المسارح الأخرى، إلى رقص يستقل بذاته ويكون لوناً فنياً قادراً أن يعبر بواسطة الجسد عن أفكار ومشاعر ومواقف إنسانية، دون أن يتخلى عن الوصول الأولى للدبكة اللبنانية، أو لما نسميه الراقد الفلكلوري.

ويظهر هذا المطمح بجلاء في العرض الأول الذي قدمته هذه الفرقة مساء الأحد الماضي، على مسرح "غولبنكيان" في كلية بيروت الجامعية، حيث إقتصر العرض، على الرقص، ليس كعلامات إبتهاج أو محاولات لإعادة ما كان يحدث في الإحتفالات الشعبية القروية، بل كلغة تحاول أن تعبر عن ذكريات وملاحظات وأفكار وأحاسيس عن الواقع.

كيف تجسد هذا الطموح؟

للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى الرقص الفلكلوري الذي شاهدناه في السنوات العشر الماضية، والذي اشتركت فيه فرقة كركلا من خلال الأعمال المسرحية الغنائية الرحبانية، والذي كان في معظمه عنصراً من عناصر العرض الغنائي والمسرحي، يساعد في اغناء هذه الأعمال ويبقى تابعاً لها بشكل عام.

أما من الناحية الفنية، فقد كان القصد أحياء الدبكة اللبنانية كما عرفت في العادات والتقالية الريفية من جهة واغناء الأغنية اللبنانية من جهة ثانية بإدخال العنصر البصري للإبتهاج الشعبي إلى سماعها.

إلا أن فرقة كركلا تحاول، كما يبدو، أن تتجاوز هذا الوضع إلى وضع آخر، يكون للرقص فيه، إمكانيات أوسع وقدرة على التعبير اشمل من السابق، ويمكن تلخيص الدوافع وراء هذا التجاوز، بأن ينتقل الرقص الشعبي من عنصر زخرفي تزيني للأعمال الغنائية المسرحية ليستقل ويجن لوناً فنياً قائماً بذاته، وذلك يتطور الشكل الفني ومشاعر جديدة وأن يجن وسيلة من وسائل التعبير لا مجرد نتيجة عفوية لعواطف قلبية.

السؤال الثاني الذي يطرح نفسه، هو إلى أي مدى استطاعت هذه الفرقة عبر عرضها الأول أن تحقق مثل هذه المتطلبات؟

من المشاهد، المتنوعة التي قدمتها الفرقة، تحت عنوان "اليوم، بكرا، مبارح" جاءت المشاهد التي تستوحي وتنطلق من الواقع الريفي اللبناني، وبعد تقاليده، أي التي استوحاها عبد الحليم كركلا من الواقع الاجتماعي البعلبكي، اقتحت وضوحاً وتماسكاً ومتانة من المشاهد الأخرى، التي ابتعدت عن هذا المجال، والتي كانت أقل وضوحاً من حيث مضمونها وأقل تماسكاً من حيث ادائها.

وأن استطاعت هذه الفرقة أن تستقل بعض الشيء عن الأغنية وتقدم حركة الجسد على الموسيقى والكلمة، إلا أنها لم تتقدم خطوة اجراً إلى تمكين هذا الجسد على الخروج من الشكل الجميل، إلى الشكل الذي هو نتيجة لمضمون عميق.

لقد إستطاع كركلا أن ينوع كثيراً في اشكال الرقص وأن يؤدي الراقصون هذه الأشكال، في الوقت الذي حفظة فيه على الجذر الأصيل للرقص الشعبي. لكن الكثير من هذه التنويعات ظلت شكلية، وربما مجانية بعض الشيء، وبقيت ضمن حدود الزخرفة والتزيين. الذي يحاول كركلا تجاوزها. إلا عندما كانت هذه الأشكال تلتقي مع مواقف واضحة ومشاعر عميقة واصيلة، كما حدث في مشهد "الصيد" ومشهد "العرس".

أن مجرد هذا الطموح الذي تتطلع إليه هذه الفرقة كاف لأن نفقة أمامها بإحترام. عنها بالطبع تغامر، ومغامرتها محاصرة بصعوبات كثيرة. لكن الفن والمغامرة صديقان قديمان، حيث لا قيمة لفن عظيم بلا مغامرة عظيمة. فهل يتحقق هذه الفرقة حلمها؟

سمير الصايغ
05.02.1974